الثلاثاء، 4 أغسطس 2009
خواتم الصخور
بمسافة تبعد عن لندن بحوالي 137 كيلوا مترا، تقع سهول ساليسبري الواسعة الهادئة الخالية من أي مظهر للحياة، إلا من تجمع عدد من الصخور العتيقة المنتصبة بشكل معين على هيئة حلقات دائرية، يتألف كل منها من أحجار عمودية الشكل تعلوها ضخرة أفقية على شكل حدوة الفرس. كانت هناك خمس حلقات صخرية، أثرت عوامل الطقس في بعضها فاختفت تماما، ولم يتبق إلا ثلاث حلقات من تلك التشكيلات الصخرية المميزة التي يطلق عليها اليوم ستون هنج أو خواتم الصخور، تعد من الوجهات السياحية المفضلة للسياح من جميع أنحاء العالم. يرجع تاريخ وجود تلك التجمعات الصخرية في هذا المكان لأكثر من 3000 عام قبل الميلاد، عندما بناها أحد شعوب أوروبا القدامى لأغراض خاصة، حاول الكثير من العلماء اكتشافها، فرأى البعض منهم أن بناءها ونصبها على تلك الحالة كان لأغراض فلكية مثل مراقبة تحركات القمر، والشمس والنجوم. ما يعزز هذا الرأي ضخامة إحدى الصخور الموجودة داخل تلك التجمع الصخري، التي تعرف بكعب الصخرة حيث يبلغ ارتفاعها حوال 6 أمتار، وتزن أكثر من 35 طنا. ما يميز تلك الصخرة أن الشمس عندما تشرق في الصيف تسقط أشعتها مباشرة فوق تلك الصخرة مكونة ظلا طويلا يزحف ببطء باتجاه وسط التشكيل أو التجمع الصخري ككل، مما قد يفسر حقيقة فلكية معينة كانت موجودة لديهم.. يرى البعض الآخر أن الغرض من بنائها كان دينيا باعتبارها كانت بمثابة معابد تمارس فيها الشعائر والطقوس الدينية لتلك الشعوب. تم بناء هذا التشكيل الصخري على ثلاث مراحل بدأت الأولى عام 3100 قبل الميلاد، حيث تم حفر خندق دائري كبير باستخدام بعض الأدوات البدائية كقرون الغزال، وضعت داخل ذلك الخندق كمية هائلة من التراب، بعد ألف عام تقريبا بدأت المرحلة الثانية، حيث تم بناء حلقتين متماسكتين من الصخور في وسط الخندق، تتألف كل حلقة من أكثر من 80 كتلة رقيقة من الحجر البركاني الذي يعرف بالحجر الأزرق، علاوة على نوع من الصخور يعرف بالصخر المتبلور. تذهب بعض الروايات إلى أن تلك الكتل الصخرية الضخمة تم سحبها يدويا من ويلز حتى ستون هينج. عملية السحب هذه استغرقت ألف عام، لذلك لم تبدأ المرحلة الثالثة من البناء إلى بعد ألف عام آخر، حيث تم خلالها استبدال الأحجار البركانية الزرقاء بأكثر من 90 كتلة من الحجر الرملي الذي يطلق عليه اليوم حجر سارسن. تم إحضار تلك الأحجار من مقاطعة ملبورن المجاورة لستون هينج. عملية نقل تلك الصخر كانت أصعب من نقل الصخور الزرقاء، لأن الكتلة الواحدة منها كانت تزن أكثر من 56 طنا، مما تطلب مزيدا من الوقت والجهد لسحب تلك الكتل الصخرية الضخمة، ثم نظمت تلك الأحجار الرملية في خمس حلقات صخرية استطاع الزمن أن يقهر إثنين منها، بينما بقيت ثلاث منها صامدة كأعجوبة من العجائب العمرانية، التي قد لا تعني بالنسبة لنا أكثر من مجموعة صخور صماء، إلا أنها تقدم دليلا حيا عن قدرة اإنسان القديم على التحمل والصبر.
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق