لا توجد رواية في العالم كله تم تحويلها إلى عدد كبير من الأفلام، مثل رواية البؤساء، للكاتب الفرنسي فيكتور هوجو التي ألفها في القرن التاسع عشر. هذه الرواية تحولت في فرنسا وحدها إلى أكثر من عشرة أفلام، قام ببطولتها كل من جان جابان، وجان بول بلموندو، و لينوفنتورا. وفي مصر، تم إنتاجها في فيلمين عامي 1943، 1979. وفي أمريكا، قدمت في فيلم ضخم متميز من إخراج بيل أوجست، وبطولة ليام نيسون، واوما ترومان.
هذا الرجل له أكثر من اسم. لم يكن له يد في أن يختار أيا من هذه الأسماء لكنها الظروف التي دفعته إلى ذلك. اسمه الحقيقي هو جان فالجان! عاش حياة طويلة، وقابل الكثير من الناس، وشعر كأنه مطارد دوما من المجتمع! بدأت قصته في عائلة فقيرة، حيث وجد نفسه وهو صغير، بلا أم أو أب، يتيم تولت أخته تربيته، فعاش مع أخته، وكانت المشكلة أن الأخت لديها الكثير من الأبناء وقد مات عنها زوجها. صار عليه أن يعمل من أجل رعاية أخته وأبنائها!! ذات ليلة إشتد الجوع بأبناء أخته، وراح الصغار يبكون، ولم يجد جان في المنزل أي كسرة خبز، فخرج إلى الشارع يبحث عمن يعطيه طعاما، فلم يجد. وعندما ضاقت به السبل، كسر زجاج المخبز، وأخذ رغيفا، ليطعم به الأطفال. تم القبض عليه، بتهمة السرقة، وأصدر القاضي حكمه: خمس سنوات سجن وراء القضبان! ياللبائس جان فالجان فهو لم يود أن يكون لصا وقد آلمه أن يرى سبعة أطفال يبكون من شدة الجوع فحاول إسكاتهم عن البكاء. تحول جان فالجان في السجن إلى رقم، وصار يحلم بالحرية، وهو يحس كم هو مظلوم، لذا لم يتردد في الهرب بعد أن قضى أربع سنوات وراء القضبان. وتم القبض عليه وأعادوه إلى السجن. لكنه لم يكف عن محاولات الهرب وفي كل مرة يتم إعادته ويصدر حكم مضاعف ضده. وعاش جان فالجان وراء القضبان تسعة عشر عاما مقابل سرقة رغيف خبز. وبعد هذه السنوات الطويلة خرج من السجن. وعاد إلى المدينة، كان اسمه كفيلا بإثارة اشمئزاز الناس، وأحس أنه في سجن آخر، قيوده مصنوعة من نظرات الناس إليه، ونفورهم منه. وأمام قسوة المجتمع، تولد الصراع الدائم في داخله بين الخير والشر، وفي كل الأحوال كان الخير في أعماقه هو الذي ينتصر. وتعرض جان للعديد من المواقف، كانت أشبه بامتحان عسير، ومع ذلك كان الخير هو الذي ينتصر دوما. وأمام العديد من المتاعب التي لاقاها جان في بلدته بريتول عقب خروجه من السجن، قرر أن يختفي عن الأنظار ولم يعرف عنه أحد شيئا. وظهر جان في مكان آخر باسم مختلف، كأنه يتخلص من اسمه القديم، الذي يثير السخط في أي مكان يتردد فيه، لمجرد أنه دخل السجن. اسمه هذه المرة هو الأب مادلين إنه رجل غريب، جاء إلى مدينة أخرى، وابتكر اسلوب جديدا في التصنيع، مما ترتب عليه زيادة الإنتاج مع التكلفة البسيطة، وساعد ذلك على انتعاش أحوال المدينة. وصار اسم الأب مادلين رمزا لرجل الخير، والبر، والمودة، وكان مصنعه ملاذا لكل عاطل، ولم تعرف المدينة الصغيرة الجوع أو البطالة. وبعد أعوام قليلة من وصول الأب مادلين تم انتخابه عمدة للمدينة. وصار رجل البر والإحسان. وأحبه الناس، وكان رجلا بسيطا، يحبه كل الناس، ويحومون حوله، ويذكرونه بالخير. إلا رجلا واحدا راح يردد في داخله: لقد رأيت هذين العينين فيما قبل ترى من صاحبهما؟ لم يكن هذا الرجل سوى ضابط الشرطة جافير وهو رجل صارم، لا يعرف قلبه الرحمة، وذات يوم كان الأب مادلين يمشي في الشارع ملئ بالأوحال ورأى الناس تلتف حول عربة مغروسة في الطين ويرقد تحت عجلاتها رجل عجوز يصرخ من الألم. لم يتمكن أحد من إنقاذه، هنا أسرع الأب مادلين وقام برفع العربة بكل قوة واستطاع إنقاذ العجوز من موت محقق، وفي تلك اللحظة وصل المفتش جافير وهتف: يا إلهي لم ار شخصا بمثل هذه القوة الجبارة إلا شخصا واحدا في السجن، أنه جان فالجان. كان جافير ضابطا في نفس السجن الذي قضى به جان فالجان عقوبته، وهرب منه إنه واثق أن الأب مادلين هو نفسه السجين الهارب لكنه لا يملك الدليل المؤكد على ذلك وعليه أن ينتظر الفرصه للقبض عليه. وجاءت الفرصة على طبق من ذهب حدث أن تم القبض على فتاة مسكينة بائسة، وسيقت إلى قسم الشرطة، وقرر الضابط ارسالها إلى السجن، وراحت الفتاة فانتين تتضرع إلى الضابط أن يطلق سراحها، دون جدوى، لكن فجأة دخل عمدة المدينة الأب مادلين، رجل الخير حاول التوسط من أجل إطلاق سراح الفتاة التي لا تود أن تذهب إلى السجن وتترك ابنتها الرضيعة بلا عائل فمن سيتولى تربيتها. تذكر العمدة كيف كانت طفولته البائسة، ولم يود الابنة الرضيعة أن تعيش بعيدا عن أمها، وقف العمدة موقفا إنسانيا، واستطاع إقناع الضابط أن يطلق سراح المرأة الشابة خاصة أنها كانت مصابة بمرض لن يمهلها كثيرا من الوقت. وبعد إطلاق سلاح المرأة تعقدت الأمور، فقد ماتت الأم، وصار على الطفلة الصغيرة كوزيت إن تجد أسرة ترعاها، وقرر العمدة أن يكون أسرتها. لكن الأمور تعقدت أكثر من جانب آخر، فقد عرف العمدة أنه تم القبض على شخص برئ على أنه السجين الهارب جان فالجان وسيق إلى الزنزانة، وأحس العمدة أن بريئا مسجونا وانه هو فالجان الحقيقي حر. لذا قرر أن يقوم بتسليم نفسه للعدالة، وصاح الضابط ضاحكا، حين جاء إليه فالجان: آه كنت أعرف أنك سوف تأتي بنفسك لأضع القيود في يديك مرة أخرى. وراح الألم يعصف به وهو في طريقه إلى السجن ليس لأنه سيعود إلى عالم الشقاء، ولكن لأن أشخاصا عديدين لا يزالون يعيشون في البؤس، منهم الطفلة كوزيت التي فقدت أمها وليست لديها أسرة. قال لنفسه: يوما ما سوف أهرب فقط من أجل الطفلة البائسة. تذكر اسرته القديمة التي لا يعرف أخبارها، لذا راح يدبر للهروب من السجن وبعد عدة سنوات ذاع لدى الناس أن مسجونا من الذين يعملون في ترميم السفن قد غرق. ولم يكن هذا المسجون سوى جان فالجان. ترى هل غرق حقيقة؟ لا بل كان عليه أن يظهر من جديد باسم ثالث مختلف. ظهر في المدينة رجل بسيط، اتجه إلى الفندق القديم، وطلب غرفة، أقام بها عدة أيام كان يرقب الناس في المكان بكل دقة، وخاصة الفتاة الصغير كوزيت إنها الطفة الصغيرة التي تركتها أمها وهي طفلة وماتت. الآن هاهي كوزيت قد أصبحت فتاة جميلة، بعد أن تولى أصحاب الفندق تربيتها، وكانوا يذيقونها سوء العذاب، فهي تشقى في العمل، وكان على هذا الرجل المسكين أن ينقذها من هذا البؤس الشديد. لذا اندهش صاحب الفندق عندما مد له الرجل ليلان وريقة وقال: والدة هذه الفتاة اوصتني في هذه الوصية أن أتولى تربيتها. ووافق صاحب الحانة على تنفيذ هذه الوصية شريطة أن يدفع هذا الضيف الغريب مبلغا كبيرا ادعي صاحب الفندق أنه صرفه على كوزيت. ودفع جان فالجان واسمه الآن ليلان المبلغ وانطلق مع الفتاة. وسرعان ماذاع اسمه في المدينه، حيث راح يوزع المال على الفقراء، لذا فان أمره آثار انتباه الضابط جافير والذي ردد في نفسه، بالتأكيد إنه جان فالجان أنا لا أصدق أنه غرق سوف أطارده. وبدأت المطاردة، وكان جان هذه المرة أكثر حرصا، فلم يترك لخصمه الفرصة كي ينال منه، بل كان دائم التخفي عنه لدرجة أن جان قام يوما بانقاذ جافير من موت محقق، هنا وقف الضابط أمام خصمه العجوز قائلا: ظللت أطاردك سنوات طويلة، وأنا الآن حائر بين واجبي في اعادتك إلى السجن أو أن أرد لك الجميل أنت أنقذت حياتي!!
قال جان فالجان: ما أغرب أن يقضي الانسان طيلة حياته مطاردا من العدالة!
قال الضابط: لن أطاردك بعد الآن، أنا مدين لك بحياتي، وسوف أختفي كأنني فارقت الحياة. واختفى الضابط، وقرر جان أن يعيش في مكان آخر مع ابنته المتبناة كوزيت تحت اسم جديد هو فوشيلفان. كان عليه أن يؤدي رسالة جديدة، فابنته كوزيت قد صارت الآن فتاة جميلة، يافعة، وقد أحس أنها تحب شابا في مثل سنها، يسعى إلى الزواج منها، وأحس أن هذا هو الحلم الذي كم تمنت الأم فانتين أن تراه يوما. واستعد الجميع لحضور ليلة زفاف كوزيت على عريسها. وفي ليلة الزفاف، حدث شئ غريب، حيث ادعى الأب أنه مريض، ولم يشترك في توقيع عقد القران، كان يعرف انه لو وقعه باسمه الذي يعرفه الناس فان الزواج باطل لأنه توقيع مزيف. وانتاب القلق العجوز وراح يردد لنفسه: أنا الآن في آخر حياتي، يجب إن تعرف كوزيت الحقيقة. واعترف بكل شئ ذات ليلة للزوجين، ونزل الاعتراف كالصاعقة عليهما، لكن مالبثت الصدمة إن خفت أمام الحب الشديد الذي تكنه كوزيت لأبيها بالتبني فأحست أنه فعل كل هذا من أجلها وكي تعيش سعيدة. وبعد هذا الاعتراف اشتد الألم بالعجوز جان فالجان وراح يردد وهو على فراش المرض: الآن، كم أنا سعيد الأنني أموت ومن حولي أسرة سعيدة! ثن أغمض عينيه، وهو يشعر بالراحة الأبدية لأنه استطاع أخيرا أن يرسم الابتسامة على وجه كوزيت لتي عاشت كل حياتها في بؤس وشقاء.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق