بسط العرب والمسلمون حضارتهم على رقعة واسعة من العالم، بفضل فتوحاتهم
منذ القرن الأول الهجري، التي استمرت حتى امتدت من المحيط الأطلسي وجنوب فرنسا
غربا إلى الهند وحدود الصين شرقا، وهضاب الأناضول وأرمينيا وأذربيجان شمالا،
وأواسط أفريقيا والمحيط الهندي جنوبا. هكذا قامت الإمبراطورية الإسلامية، وازدهرت
مظاهر الحضارة في ربوع هذه الإمبراطورية، ومنها الفن الإسلامي الفريد، الذي بلغ
ذروته في القرنين الثالث عشر والرابع عشر الميلاديين، ثم بدأ يضمحل من القرن
الثامن عشر الميلادي، بعد أن تأثر المسلمون بمنتجات الفنون الغربية، وأقبلوا على
تقليدها. ظهر التصوير الإسلامي في المخطوطات والخزف والمنسوجات، واهتم الفنانون
العرب والمسلمون بالأوان الساطعة والمذهبة، ونجح الخزافون في العصور الوسطى في
زخرفة المباني والمخطوطات والتحف بأساليب بديعة. كما ازدهرت صناعة المعادن في صدر
الإسلام، مع الاحتفاظ بالتقاليد الفنية المحلية، ثم يجيء الحفر في الحجر والرخام
والعاج والعظم والخشب.. أما الفخار والخزف، فكان له طابعه المميز في ألوانه ورسومه
وكانت الزعامة في صناعة الزجاج والبلور والنسيج، التي تطورت وبلغت أوجها أيام
الفاطميين والمماليك. أضافت العمارة الإسلامية الكثير إلى التراث الفني العالمي،
من حيث التصميم المعماري، خاصة فيما يتعلق بالمساجد والأضرحة والقصور والمنازل والحمامات
والحصون والأسوار والبوابات. من أهم العناصر المعمارية الإسلامية:
1- المآذن: عرف المسلمون المكان الذي يرفع منه الأذان باسم المئذنة،
وكانت المآذن الأولى مربعة أو كعبة أو مستديرة، ثم أصبحت ذات طبقات ثلاث، مربعة ثم
مثمنة ثم أسطوانية، وكانت تجمل بالدلايات فضلا عن كسوة القمة بالقيشاني والرخام،
وكانت تصنع المآذن من الحجر أو الطوب، ثم تجمل بالزخارف الهندسية.
2- العقود: عرفت العمارة الإسلامية أنواعا مختلفة من العقود، كان كل
إقليم من أقاليم الإمبراطورية الإسلامية يفضل بعض هذه العقود عن البعض الآخر، منها
التي على شكل حدوة الفرس ذات الفصوص، أو المدببة.
3- الدلايات: حليات معمارية تشبه خلايا النحل، ترى في العمائر مدلاة في
طبقات مصفوفة بعضها فوق بعض، وتستعمل للزخرفة المعمارية، خاصة في واجهات المساجد،
وفي المآذن وتحت القباب وفي الأعمدة.
4- الأعمدة: ابتكر المسلمون الأعمدة ذوات البدن الأسطواني، والمضلع،
والمثمن الشكل، أما تيجان الأعمدة فقد عرفوا منها البصلية، وتلك التي تحتوي على
مجسمات الأوراق نبات أو نواقيس.
5- القباب: انتشرت في العالم الإسلامي أنواع مختلفة من القباب، وكان
منها نصف الكروية والمضلعة والبيضوية، وكانت تتميز بارتفاعها وتناسق أبعادها،
وبسطحها الخارجي من زخارف كتابية ونباتية وهندسية جميلة.
تعد صناعة التحف الخشبية أحد المعالم البارزة في تاريخ الفنون
الإسلامية، وكانت التحف الخشبية تتمثل في الأبواب وقطع الأثاث والمنابر والسقوف
والتوابيت والخزانات والمشربيات. ولعل أهم مميزات الزخارف في هذه الأخشاب، الدوائر
ذوات المركز الواحد، ورسوم النباتات المتشابكة، وأوراق الأشجار المحفورة، وصور
الطيور والحيوانات والأشكال الهندسية، وعبارات بالخط الكوفي أو بخط النسخ. كان
الفنانون في بعض الأحيان يكسون الخشب بطبقة رقيقة من الفسيفساء، تتألف في الغالب
من قطع صغيرة من الأبنوس، وهو ما يسمونه ترصيع، ومن أمثلة ذلك، المقاعد الفاخرة
ومنابر المساجد وأبواب القصور. عثر علماء الآثار الإسلامية على تحف من العاج أو
العظم أو من الخشب المرصع بهاتين المادتين، ولا شك في أن أعظم التحف العاجية
الإسلامية، هي العلب والصناديق، وبعض هذه التحف أسطوانية وذوات غطاء مستو أو مقبب،
وبعضها الآخر مستطيل وله غطاء مستو أو هرمي الشكل. معظم هذه التحف ذات زخارف
محفورة حفرا قليلة البروز، وغالبا ما تكون رسوما لنباتات وطيور وحيوانات، بالإضافة
إلى كتابات بالخط الكوفي أو بخط النسخ، وكلها بالألوان الأزرق والأحمر والأخضر.
وتعد كلها تحفا آية في الجمال والإتقان. من الموضوعات الزخرفية المألوفة في التحف
العاجية الإسلامية، مناظر الطرب والطيور وصور الحيوانات مثل الأسد والفهد والغزال
والفيل والطيور، خاصة الطاووس. يقوم الباحثون في الحضارة الإسلامية، بدراسة التحف
الزجاجية والبلورية الإسلامية، بحسب زخارفها وأساليب صناعتها وشكلها، وكان الصناع
يصلون إلى إنتاج هذه التحف بواسطة النفخ في قوالب مصنوعة من الفخار أو المعدن أو
الخشب. ومعظم الزخارف عبارة عن دوائر ذوات المركز الواحد، والكتابات الكوفية
والرسوم الهندسية. من الزجاج ذي الزخارف، نوع ذو خيوط مضافة ومضغوطة في سطح الإناء
في رسوم متعرجة وملونة، تكسب التحفة نوعا من الزخارف تشبه المرمر. وقد تكون هذه
الزخارف مذهبة أو بالبريق المعدني، وكانت تتميز بدقة الصنعة وإتقان الزخرفة. من
التحف الزجاجية الإسلامية، قنينات لها جسم كروي تماما أو كروي ذو فصوص ورقبة
أسطوانية طويلة، عليها زخارف هندسية أو رسوم لطيور أو حيوانات أو فروع نباتية،
وأجملها ما كان لونه أخضر. أما البللور، فقد
أقبل عليه الأثرياء، لأنه أصلب من الزجاج العادي وألطف منظرا.. من بين
التحف البللورية، قنينات صغيرة لحفظ العطور، وقطع للعبة الشطرنج، وتماثيل دقيقة،
وأباريق على هيئة الكمثرى وفناجين وصحون وكؤوس وعلب للحلي الثمينة. كانت تصنع
زجاجات الزينة من الزجاج المختلط بمسحوق الرصاص الدقيق، ليكسبها لونا مائلا إلى
الزرقة والخضرة، ويعرض عدد كبير من التحف الزجاجية والبلورية في أكثر متاحف
العالم. ذاعت شهرة المنسوجات الإسلامية في القرون الوسطى، وكانت ألوانها براقة،
خاصة الموشاة بقصب الذهب والفضة، وكان هناك نوعان من مصانع النسيج، الأول طراز
الخاصة، وكان لا يشتغل إلا للخليفة ورجال بلاطه وحاشيته.. والثاني طراز العامة،
وكان يشتغل لأفراد الشعب. مما كان يشجع صناعة النسيج في العصر الإسلامي، أن
الخلفاء والأمراء كانوا يتبارون في إرسال الكسوة السنوية إلى الكعبة المشرفة، من
المنسوجات النفيسة التي كانت تلقى عناية فائقة عند نسجها. وكان الخلفاء والأمراء،
يهتمون بكتابة أسمائهم على الأقمشة الثمينة تخليدا لذكراهم، بالإضافة إلى بعض
الأدعية. وكانت معظم المنسوجات من الحرير والقطن والكتان، وكانت زخارفها من طيور
وحيوانات مذهبة ومتعددة الألوان، ومنسوجة بخيوط من الصوف. في بعض المتاحف
والمجموعات الفنية، قطع من السجاد الرائع تشهد بأن صناعة السجاد كانت متقدمة إلى
حد كبير في العصر الإسلامي، وكان الصناع يصبغون خيوط السجاد بالألوان النباتية
والحيوانية قبل نسجها، حتى تثبت ألوانها. يرجع جمال السجاد الإسلامي وشهرته إلى
إبداع ألوانه وتناسقها وحسن توزيعها، بالإضافة إلى متانة الصناعة والعناية بالصوف،
حتى كانت الغنم تربى خصيصا، ويعنى بنظافة صوفها، لينسج منه السجاد. كما أن الحرير
وخيوط الذهب والفضة كانت تدخل في صناعة السجاجيد النفيسة. وكانت زخارف السجاد
تتضمن الأشكال الهندسية والنباتية والحيوانية، سواء في منتصفها بحجم كبير، أو في
أطرافها بحجم أصغر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق