دخل رجل فقير مدينة بغداد وأخذ يتجول في أسواقها ، وكانت بغداد يومئذ عاصمة أكبر دولةٍ على البسيطة ، وكان فيها سوقاً عظيماً يجد الإنسان فيه كل ما يريد ، حتى كانت دكاكين شعبة من السوق الكبير مختصة ببيع الأطعمة بأنواعها ، بحيث كان بعض كسبة السوق يأتون كل يوم ليتناولون الطعام في هذه الشعبة من السوق .
ذهب الرجل الفقير إلى هذه الشعبة من السوق وشاهد فيها أنواع الأطعمة فازدادت شهيته ولم يتمكن من مقاومة نفسه مقابل رائحة الطعام الشهي ، ومن القدر أنه كان لرجلٍ دكاناً في السوق وكان قد عرض طعامه خارج دكانه والبخار يتصاعد من أعلى الطعام ، فيأتي بعض الزبائن فيشترون منه ، وكان صاحب الطعام يأتي بين الحين والآخر يبيع الطعام ثم يدخل الدكان .
فلما رأى الفقير ذلك وهو لم يملك شيئاً من النقود فكر مع نفسه فأخرج قطاً من الخبز اليابس الذي كان معه ثم وضعه على البخار المتصاعد من الطعام ليترطب ويأخذ رائحة الطعام ، فلما رأى صاحب الطعام – وكان طماعاً جشعاً – ذلك خرج من الدكان وجاء إلى الرجل الفقير مسرعاً وطالبه بثمن الطعام ، قال الرجل الفقير : (( وهل جننت ؟ ثمن ماذا أعطيك ... فهل أعطيتني طعاماً؟ )).
قال صاحب الدكان : (( هل تعترف أنك أكلت الخبز اليابس الذي وضعته على بخار طعامي ثم أكلته؟))
قال الرجل الفقير : (( نعم ، أكلت خبزي مع بخار طعامك المتصاعد إلى السماء )).
قال صاحب الدكان : (( إني أكتفي منك بأخذ ثمن البخار فقط )).
وهكذا ارتفع صوتهما واشتد الشجار بينهما ، ومن حسن حظ الفقير أن مر بهلول واستمع إلى النزاع بينهما ، فقال بهلول لصاحب الدكان : (( أتعرف أنه لم يأكل من طعامك بل انتفع ببخاره ؟ )) .
قال : (( نعم ، وأنا لم أدعٍ أكثر من ذلك )) .
قال بهلول : (( حسناً ، اسمع ..)) ثم أخرج من جيبه نقوداً وألقاها في الأرض ثم أخذها وألقاها وهو يقول لصاحب الدكان : (( خذ ثمن طعامك )) .
فلما انتهى بهلول من ذلك ، قال له صاحب الدكان وهو متألم : (( ما هذا الذي فعلته؟)).
قال بهلول : (( دفعت إليك ثمن طعامك )) .
قال صاحب الدكان : (( كنت أعتقد أنك تحكم بالحق ، أي ثمنٍ أعطيتني ؟ )).
قال بهلول : (( لقد حكمت بالحق ، فإن الذي يبيع بخار طعامه ورائحته لا بد أن يكون ثمنه صوت النقود )) .
لم يتمكن صاحب الدكان أن يتكلم بشيء ورجع إلى محل عمله ، ثم أعطى بهلول ما كان عنده من النقود إلى الرجل الفقير ليشتري بها طعاماً ثم انصرف .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق