كان هارون الرشيد قد أجاز الدخول لبهلول عليه كل حين ومتى شاء ، وذات يوم كان هارون مجتمعاً بعددٍ من كبار رجال دولته والمقربين منه ، فدخل عليهم بهلول القصر بلا أدن أحد ، وجلس إلى جانب هارون .
كان سلوك بهلول في ذلك اليوم مؤذياً لهارون ، لكنه ما دام قد أذن له بالدخول متى شاء لم يتمكن من إخراجه من القصر .
كان بهلول في ذلك المجلس يقلد أفعال هارون حيث كان واضعاً إحدى رجليه على الأخرى فوضع بهلول إحدى رجليه على الجانب الأخر أيضا مقلداً في ذلك هارون ، ضحك الحاضرون في المجلس من فعل بهلول الذي كان يؤذي هارون لحظة بعد أخرى ، وفجأة خطر بذهن هارون فكرة يمكنه من خلالها تأديب بهلول ، قال هارون : (( لا بدلك من الجواب على هذا اللغز ما دمت جالساً إلى جانبي )) .
قال بهلول : (( إذا لم ترد التخلص من الجائزة كما فعلت ذلك معي مراراً أجبتك عن اللغز )) .
أراد هارون أن ينتهر بهلول وأنه متى تخلف عن وعده ، لكنه سرعان ما تذكر أن بهلولاً صادق فيما يقول لأنه – أي هارون – أخلف وعده لمرات عديدة معه ، لذا حاول التعامل مع بهلول بهدوء وقال : (( إن أجبت عن هذا اللغز أمرنا لك بألف سكة ذهبية ، وأما إن لم تجب عنه فسوف نأمر بحلق لحيتك ثم نضعك على حمار ويدار بك أزقة المدينة )) .
قال بهلول : (( لا حاجة لي بالذهب ، لكني مستعد للجواب عن اللغز بشرطٍ واحد )) .
قال هارون – بعد هنيئة - : << لنرى ما هو شرطك ؟>>.
قال بهول : (( إن أجبتك عن اللغز أريد منك أن تأمر الذباب بعدم التعرض لي وإيذائي )).
لما أدرك هارون أن بهلولاً بشرطه هذا يريد إثبات عجز – هارون – ووضعه ، ضحك قليلاً ثم قال : (( لا يمكن العمل بشرطك ، لان الذباب ليس بأمري )).
حرك بهلول رأسه مؤيداً كلام هارون ثم قال : (( لا ينبغي لي أن أتوقع مع شخص ضعيف وعاجز أمام الذباب شيئاً ، لا بد من البحث عن أحد يتمكن أن يأمر الذباب بذلك )) .
حسن الحاضرون فعل بهلول في قلوبهم دون ألسنتهم لأن كلامه هذا ينم عن عقله وحسن تدبيره .
ولما علم بهلول أن كلامه أثر في هارون – الذي صار لونه يتغير لحظة بعد أخرى من شدة الضربات التي صار يواجهها من بهلول – قال : (( أنا مستعد الآن أن أجيبك عن اللغز بدون أي شرط )).
ولم أحس هارون بأنه خاسر في هذا الجدال لم يكن يحب أن يطيل الكلام أكثر مع ذلك مع بهلول ، فقال : (( ما هي الشجرة التي لها من العمر سنة واحدة ، ولها من الفروع والأغصان اثنا عشر ، وعلى كل غصن منها ثلاثين ورقة ، وفي وجه من وجوه كل ورقة ظلام وفي الوجه الآخر منها ضياء ونور ؟.)).
أجابه بهلول بدون أي تأمل : (( أما الشجرة فهي السنة ، وأما أغصانها فهي الأشهر ، وأما ما كان في وجه أحد أوراقها الظلام فهو الليل والآخر النهار )) .
لم سمع هارون بذلك لم يكن له بد من القبول ، فإذا به رفع صوته وقال : (( أحسنت ، أحسنت )).
وهكذا الحاضرون قالوا مثل ما قال هارون ، ثم خرج بهلول من القصر وهو لم يعتن بهذا التهريج ولم يبالٍ بأحدٍ من الحاضرين .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق