تعد مدينة فاس أقدم مدينة في المغرب، كانت في الأصل عبارة عن مدينتين أنشأ الأولى الأمير إدريس بن عبدالله الحسني عام 127 هجرية، أطلق عليها العالية، بينما أنشأ الثانية إبنه الأمير إدريس الأول. أطلق عليها فاس، نتيجة لاتساع العمران في المدينتين، وما تبعه من تزايد أعداد السكان. تم دمج المدينتين لتصبحا مدينة واحدة ذات قطاعين أو جانبين يسكن الشرقي منها جاليات أندلسية، لذلك أطلق عليه عدوة الأندلسيين، بينما يسكن الجانب الغربي جالية من أهل القيروان، لذلك أطلق عليه عدوة القروانيين، ثم عدلت بعد ذلك إلى عدوة القرويين. يعد جامع القرويين من أقدم المساجد التي تم تشييدها من مدينة فاس، بالتحديد في الجانب الذي يسكنه القرويون، لذلك أطلق عليه هذا الإسم، وقد تم بناؤه عام 192 هجرية على يد الأمير إدريس الثاني. كان عبارة عن بناء متواضع بسيط يتسع لعدد محدود من المصلين، حتى عام 245 هجرية، الذي شهدت خلاله مدينة فاس رخاء اقتصاديا واستقرارا سياسيا تحت حكم دولة الأدارسة، لذلك وفد إليها الناس من جميع أنحاء العالم مما تطلب ضرورة توسعة المسجد ليتناسب مع أعداد المصلين الآخذة في ازدياد. أولى محاولات توسعة المسجد تمت على يد فاطمة بنت محمد الفهري وهي إبنة أحد أثرياء القيروان، التي أرادت تخليد إسم والدها بإنفاق إرثها منه على توسعة وإعمار المسجد، فقامت بشراء الأرض المجاورة له وضمتها إلى مساحته، كما أنشأت محرابا ومئذنة تتطلع لها الأنظار حتى اليوم بإعجاب، نظرا لارتفاعها الشاهق، وزخارفها الهندسية الرائعة. شهد المسجد توسعات وترميمات عديدة في عهد دولة الزناتيون التي خلفت دولة الأدارسة، حيث أضافوا لمساحته نحو 3000 متر مربع، كما زادوا في بناء المئذنة فبلغ ارتفاعها حوالي 20 مترا على قاعدة يبلغ ارتفاعها حوالي 5 أمتار، شيدت فوقها قبة تعلوها عدة تفاحات حجرية صغيرة مطعمة بالذهب، كما تم كساء المئذنة بالقيشاني المزخرف. عرف المسجد في عهد المرابطين والموحدين عدة توسيعات لم تعتمد على زخرفة البناء، كما كان الحال لدى الأسر السابقة، وإنما انصب الاهتمام على مستوى التأثيث والزيادة في المرافق الضرورية للمسجد كالثريات، ومقصورة القاضي، كما تم إنشاء خزانة للكتب. للمسجد 13 بابا، كما يحيط به من الشرق والغرب والشمال أروقة ذات أقواس، عرض كل منها أكثر من 210 أمتار، وطولها حوالي 280 مترا، كما يضيء المسجد كل ليلة أكثر من 900 مصباح. لا يعد المسجد مجرد مكان لأداء الصلاة، وإنما حمل على عاتقه منذ تشييده مهمة الإشعاع العلمي، من خلال الحلقات والمجالس العلمية، التي تقام بانتظام في أروقته وساحته على أيدي نخبة من علماء المغرب العربي. على غرار الجامع الأزهر في مصر، يتبع جامع القرويين عدة كليات أكاديمية، يتولى المسجد عملية الإشراف الكامل عليها مثل كلية أصول الدين بتطوان، وكلية اللغة العربية بمراكش، وكلية الشريعة بمدينة فاس.
الاثنين، 8 أغسطس 2011
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق