الثلاثاء، 9 أغسطس 2011
جامع سيدي عقبة
تعد مدينة القيروان في تونس، المدينة الإسلامية الأولى في دول المغرب العربي، أسسها القائد العربي عقبة بن نافع عام 50 هجرية الموافق 670م، بعد أن فتحها وطهرها من القبائل البربرية المعادية للإسلام، واتخذ منها عاصمة إسلامية لدول المغرب وبلاد الأندلس، ثم انطلق منها لينشر الإسلام في بقية دول المغرب العربي والأندلس، فكانت موطنا للجهاد تخرج منه الجيوش الإسلامية للغزو والفتح لذلك أطلق عليها هذا الإسم الفارسي الذي يعني باللغة العربية مكان السلاح أو محط الجيش، أو استراحة القافلة. أول ما فكر فيه عقبة أثناء بناء المدينة هو تشييد مسجد بها يحمل إسمه، ويعد من أقدم مساجد المغرب الإسلامي والمصدر الأول الذي اقتبست منه العمارة المغربية الأندلسية عناصرها الزخرفية التي ملأت بها مساجدها ومبانيها فيما بعد. كان المسجد وقت انشائه صغير المساحة، بسيط البناء، لم تحدث له أية تعديلات لمدة عشرين عاما، حتى جاء حسان بن النعمان الغساني حاكم شمال أفريقيا، فقام بهدمه وشيد بدلا منه مسجدا أكبر محكم البناء. وفي عام 105 قام الخليفة الأموي هشام بن عبد الملك بإضافة المزيد من التوسيعات إلى مساحة المسجد، بني له حديقة كبيرة، كما بني له مئذنة تعد من أضخم المآذن الأثرية الإسلامية، يبلغ ارتفاعها أكثر من 60 مترا، تم إنشاؤها على غرار المآذن الأربع في المسجد الأموي بدمشق. يشغل المسجد حاليا مساحة مستطيلة غير متوازية الأضلاع، تبلغ مساحتها حوالي 12200 متر مربع، تستند جدرانه الخارجية على أعمدة مختلفة الأحجام والأشكال، يعلو سقفه من الخارج 5 قباب، كما يوجد له 10 أبواب للدخول. يتكون رواق المسجد من 17 بائكة، وهي عبارة عن أعمدة يعلو قمتها تاج، كما يوجد له محراب على شكل تجويف داخل الجدار، يشبه حدوة الفرس، تزينه زخارف بسيطة خالية من الترف، لكنها لا تخلو من الجمال والروعة، حيث تتداخل تلك الزخارف مع الصياغة المعمارية في شكل متناغم بديع، يتجلى ذلك في قطعة الخشب الزرقاء التي تزين أعلى تجويف المحراب، التي تأخذ شكل محارة ذات وريقات ذهبية تنبعث من جوانبها، كما يحيط بالمحراب عمودان لكل منهما تاج، بينما يغطي سطح المحراب أكثر من 130 بلاطة مربعة الشكل، ذات بريق معدني. من العناصر المعمارية الجميلة أيضا التي يحتوي عليها المسجد، مقصورة من الخشب النفيس محفورة بزخارف المشربية، يقال أنها كانت مخصصة لصلاة الخليفة الفاطمي المعز بن بادريس خوفا عليه من اغتياله أثناء الصلاة. لم يكن هذا المسجد مكانا للعبادة فقط، بل كان ميدانا للحلقات الدينية والعلمية التي شارك فيها نخبة من أكبر علماء الفكر الإسلامي.
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق