الجمعة، 18 ديسمبر 2009
التطعيم ضد الجدري
من بين كل الكوارث القديمة التي هاجمت البشرية، كان الجدري هو أكثرها هلاكا للإنسان، والجدري مرض يمكن اقتناء آثاره إلى المومياوات المصرية منذ ثلاثة آلاف سنة مضت. كانت أمراض الأنفلونزا والكوليرا وحمى التيفوس والطاعون، خطيرة ومرعبة أيضا ولكن طوال قرون عديدة لم يتسبب أي منها في نتائج الرهيبة التي سببها الجدري. ففي أوروبا فقط مات ما يقارب الستين مليون شخص بهذا المرض اللعين في القرن الثامن عشر. يرجع فضل تلخيص الجنس البشري من هذا البلاء للطبيب الإنجليزي إدوارد جنر (1749- 1823م)، فقد لاحظ جنر أن الأشخاص الذين أصيبوا إصابات متوسطة بالجدري، اكتسبوا من خلال ذلك مناعة من الإصابة بنفس المرض مرة أخرى، لذا قرر إجراء سلسلة من التجارب لاختيار صحة ما أشيع بأن العاملات بمزارع الألبان اللاتي أصبن بمرض جدري البقر، أثناء قيامهن بحلب اللبن من البقر المصاب به، قد اكتسبن مناعة دائمة ضد الجدري الذي يصيب الإنسان. أجرى جنر أول عملية له عام 1796 على صبي ريفي في الثامنة من عمره، مستخدما مادة أخذها من يد عاملة بمزرعة ألبان تعاني من جدري البقر، وبعد حوالي ثمانية أسابيع من إجراء العملية، تم حقن الصبي بفيروس جدري الإنسان، ولم يظهر عليه أي أثر يدل على الإصابة بهذا المرض. كانت هذه أول مرة في التاريخ يحقن فيها إنسان بمصل الجدري، وفي عشرات الحالات التي تولاها جنر اتضح له أن التطعيم بمصل جدري البقر يعطي وقاية كاملة من جدري الإنسان، ولإعلان هذا الإنجاز الطبي العظيم نشر عام 1798 أحد الكتب البارزة في الطب وعنوانه بحث في أسباب ونتائج التطعيم ضد الجدري من 75 صفحة، وأربع لوحات مصورة، وتضمن الكتاب أوصافا كاملة للحالات التي أشرف عليها الدكتور جنر وتمت ترجمة هذا الكتاب إلى عدد كبير من اللغات الأخرى، ولاقى رواجا كبيرا.
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق