الجمعة، 18 ديسمبر 2009

الجراثيم والفيروسات


أستطيع أن أخمن أنك قد أصبت بالمرض من قبل: نزلة برد، نوبة صداع، آلام بالمعدة، احمرار في العينين، أو أي شيء آخر من تلك الأشياء التي تعكر مزاجنا وتمنعنا من ممارسة حياتنا بطريقة طبيعة، والاستماع بهوايتنا ومتابعة أعمالنا أو دروسنا. هل سألت نفسك من قبل عن السبب في حدوث هذه الظواهر المزعجة؟ يقول الأطباء والعلماء إن الجراثيم هي المسئولة عن معظم الأمراض التي تصيبنا، والجراثيم هي كائنات حية دقيقة جدا لا يمكن رؤيتها بالعين المجردة، وهي موجودة في كل مكان من حولك، في طيات ملابسك، وبين أوراق كتبك وكراستك، بل فوق جلدك وفي الهواء الذي تتنفسه. ولكن إذا كانت الجراثيم قريبة منا لهذه الدرجة، فلماذا نمرض أحيانا ونبقى أصحاء معظم الوقت؟ وماذا نستطيع أن نفعل كي نقي أنفسنا من الأمراض التي تجلبها هذه الجراثيم؟ الجراثيم كما قلنا هي كائنات حية فائقة الصغر، وهي أيضا كائنات وحيدة الخلية، بمعنى أن جسم الجرثومة يتكون من خلية واحدة جسم الإنسان يتكون من حوالي مائة تريليون خلية، أي مائة ألف مليار خلية، والجراثيم تعيش في أي مكان على الأرض توجد به مياه، بما في ذلك ينابيع المياه الحارة وقاع المحيط، وداخ الصخور تحت سطح الكرة الأرضية، وبالطبع في المياه البحار والأنهار والبحيرات، وفي التربة الزراعية، وفي أرض ملعب الكرة الذي نرشه بالمياه لنسقي الحشائش التي تغطيه، وعلى أوراق الخضراوات وقشور الفواكه، وعلى جسم الأسماك وبين ريش الطيور وشعر الحيوانات المنزلية كالقطط والكلاب والحيوانات الأخرى عموما. وتتكاثر الجراثيم عن طريق الانقسام، بمعنى أن كل جرثومة تنقسم إلى أثنين، ثم تنقسم كل واحدة من الاثنتين إلى جرثومتين جديدتين، وهكذا وهو ما نشبهه بالمعادلة الهندسية. وعندما تتوفر الظروف المناسبة للجراثيم، مثل درجة الحرارة الملائمة والمياه، تتحول إلى أعداد ضخمة في وقت قصير. ظل العلماء لقرون طويلة يتساءلون عن السبب في حدوث الأمراض وفي انتقال العدوى بها من شخص مريض إلى شخص سليم، خاصة أثناء الأوبئة التي كانت تقع بشكل متكرر في تلك العصور. ورغم أنهم قد استنتجوا أن هناك كائنات حية دقيقة لا يمكن رؤيتها بالعين المجردة تشاركنا الحياة على كوكب الأرض، إلا بعد اختراع الميكروسكوب سنة 1675، حيث تمكن العلماء من رؤية هذه الكائنات الدقيقة التي تعيش في الماء وفي الأطعمة المختلفة مثل الجبن والحساء. أجرى العالم الفرنسي لويس باستير تجارب أثبت من خلالها أن هذه الكائنات لا تنشأ من داخل الماء والأطعمة نفسها وإنما تأتي إليها من الخارجها. وفي سنة 1876 أثبت العالم الألماني روبرت كوخ أن الجراثيم يمكن أن تسبب حدوث الأمراض والعدوى بها. ورغم أن العلم الحديث قد أضاف الكثير جدا من التطوير على اكتشاف كوخ، إلا أن العلماء لا يزالون يعترفون بفضله إلى اليوم. كي نحمي أنفسنا من أخطار الجراثيم والفيروسات، التي تسبب الأمراض، وكي نحافظ على طعامنا من التلف والفساد والتلوث الذي ينتج عنها، يجب علينا أن نعمل كل ما نستطيع من أجل الحد من فرصة وجود هذه الجراثيم في البيئة المحيطة بنا، لأننا لا نستطيع أن نمنع وجود هذه الجراثيم في الجو منعا كاملا. وهناك وسائل عديدة للحد من وجود هذه الجراثيم في الطعام، منها إضافة الخل إلى الطعام، واستعمال أدوات مائدة نظيفة، وغسل الأيدي جيدا بالماء والصابون قبل تناول الطعام، وعدم ترك الطعام لفترة طويلة خارج الثلاجة. ومع ذلك هناك بعض الحالات التي نستطيع فيها أن نمنع وجود الجراثيم نهائيا على بعض الأدوات والأجهزة الطبية عن طريق تعقيمها قبل استعمالها، وخير مثال على ذلك هو إبر الحقن والأدوات الجراحية. تقوم الجهات المسؤلة في معظم دول العالم اليوم بإقامة محطات لتقنية مياه الشرب، والتفتيش على المطاعم والمصانع ومحال بيع الأطعمة والمشروبات للتأكد من خلوها من الجراثيم المسببة للأمراض. لا تستغرب، فهناك بالفعل أنواع من الكائنات الدقيقة المفيدة للإنسان، خاصة البكتيريا، التي تستخدم في صناعات عديدة، منها صناعات غذائية مثل إنتاج الخبز والجبن والزبد والخل والزبادي، كما تستخدم في العديد من الصناعات الكيماوية كصناعات الكحول والأسيتون والأحماض العضوية والأنزيمات والعطور، وصناعة الأدوية، خاصة المضادات الحيوية والأمصال، وفي صناعة التعدين، وفي معالجة مياه الصرف الصحي، وفي عمليات زراعية متعددة. ومع ذلك فهناك أنواع مضرة من البكتيريا سواء لأنها تسبب الأمراض للإنسان وللحيوان والنبات أيضا، أو لأنها تؤدي إلى إفساد الطعام، ومن الأمراض التي تسببها البكتيريا الكوليرا والزهري والجمرة الخبيثة والجذام والطاعون. ومن أخطر الأمراض التي تسببها البكتيريا الأمراض التنفسية مثل الدرن الرئوي، ولكن الإنسان استطاع عن طريق العلم أن يستخدم أنواعا أخرى من البكتيريا في مقاومة هذا المرض. وأخيرا هل تعلم أن عدد الخلايا البكتيرية في جسمك يعادل عشرة أضعاف الخلايا التي يتكون منها جسمك نفسه، وأن نسبة كبيرة منها توجد فوق سطح الجلد وداخل الجهاز الهضمي، وأن جهاز المناعة في جسمك هو الذي يقاوم التأثير المضر لهذه البكتيريا. الفيروسات هي جسيمات بالغة الدقة تسبب الأمراض للإنسان والحيوان والنبات، والعلماء لا يعتبرون الفيروسات كائنات حية كالجراثيم لأنها لا تتكون من خلية أو خلايا حية، ومع ذلك فالفيروسات تحتوي على جينات وراثية تنقل صفاتها من جيل إلى جيل، وهي تختلف عن الجراثيم أيضا في أنها لا تنمو أو تتكاثر إلا داخل كائن حي، وفي هذه الحالة يطلق على هذا الكائن الحي أسم العائل . والمضادات الحيوية التي تستخدم في القضاء على الجراثيم لا تنجح في القضاء على الفيروسات، ولكن العلماء تمكنوا من تطوير لقاحات لها تأثير قوي في الوقاية من الأمراض الفيروسية. من الأمراض التي تسببها الفيروسات السعار والجدري والحمى الصفراء والإيدز والأنفلونزا. والفيروسات ذات حجم فائق الدقة لدرجة أنه لا يمكن رؤيتها بالميكروسكوب العادي، ولم يتمكن العلماء من تحديد شكل وتكوين الفيروسات إلا بعد اختراع الميكروسكوب الإلكتروني، وإذا قارنا حجم الفيروس بحجم البرغوث، سنجد أن الفرق بينهما مثل الفرق بين حجم الإنسان وحجم جبل أعلى من قمة إفرست مرتين. العلم الذي يدرس الكائنات الدقيقة يسمى ميكروبيولوجي أو علم الكائنات الدقيقة، وهو علم يهتم بدراسة كافة أنواع الكائنات الدقيقة، بما في ذلك الفطر والبكتيريا وبعض أنواع الطحالب، ورغم أن الفيروسات كما قلنا لا تعتبر كائنات حية إلا أنها تدخل في مجال دراسة هذا العلم. علم الميكروبيولوجي من العلوم الحديثة بالمقارنة بالعلوم الأخرى التي تدرس الحيوان والنبات. وعمر هذا العلم لا يتعدى ثلاثمائة عام أي منذ اختراع الميكروسكوب. غير أن هذا العلم يشهد تطورا سريعا ويمتد إلى دراسة كائنات جديدة كل يوم. واليك أسماء بعض العلماء الذين قدموا مساهمات قيمة في هذا العلم، ابن سينا، أنطوني فان ليفينهوك، روبرت كوخ، فرناند جوليوس كون، لويس باستير، سيرجي فينوجراد سكي وكثيرون غيرهم.

ليست هناك تعليقات: