الأربعاء، 10 أغسطس 2011

مسجد السليمانية

لم تحظ مدينة أو دولة في العالم بذلك الكم الهائل من المساجد كدولة تركيا، أو بالتحديد اسطنبول العاصمة آنذاك، حيث تنافس خلفاء الدولة العثمانية فيما بينهم على تشييد المساجد الضخمة الفخمة، التي صار معظمها اليوم من المعالم السياحية الهامة للمدينة، فكان من عادة كل خليفة عثماني فور توليه مقاليد الحكم في الدولة إنشاء مسجد يحمل إسمه. يعد مسجد السليمانية واحدا من تلك المساجد الرائعة، يعتبر أجملها على الإطلاق، بدأت أعمال بنائه في عهد السلطان سليمان القانوني عام 1550 واستمرت لمدة 7 سنوات. قام بإعداد خرائط ونماذج البناء المهندس المعماري الشهير سنان الذي كان يعد أشهر وأمهر معماري في تاريخ العثمانيين، بل وفي تاريخ عمارة المساجد أيضا، لم يقتصر دوره على وضع تصاميم البناء، بل كان يشرف بنفسه على إنجاز أعمال البناء. كما قام باختيار أشهر الحرفيين والعمال الذين تم إحضارهم من جميع أطراف المملكة العثمانية حتى بلغ عددهم عدة آلاف. وسط مساحات كبيرة من المروج الخضراء، والأشجار الكثيفة على تلة مرتفعة تطل على مضيق البوسفور الشهير تم اختيار موقع المسجد ليسهل رؤيته من جميع أنحاء العاصمة ومن أي اتجاه، كما تم استخدام بياض البيض بدلا عن الماء لعمل خلطة أساس البناء حتى يستطيع مقاومة عوامل الطقس المتقلبة، التي تشتهر بها المدينة، لذلك تم استهلاك كميات كبيرة من صناديق البيض بأعداد لا حصر لها، بيت الصلاة من أهم أجزاء المسجد، وهو عبارة عن بناء مستطيل الشكل، طوله حوالي 69 مترا، وعرضه 63 مترا، ويتسع لأكثر من 5 آلاف مصل. تكسو الجدران الداخلية لبيت الصلاة، أعداد هائلة من البلاط الملون والمزين بنقوش وزخارف على شكل أزهار التيوليب، والبنفسج، كما تعلوه عند منطقة الوسط قبة ضخمة محمولة على أربعة أعمدة لها هيئة أقدام فيل ضخمة، يزن كل من تلك الأعمدة أكثر من 60 طنا، ويبلغ طول قطرها حوالي 8 أمتار، بينما يبلغ ارتفاع القبة حوالي 53 مترا، تزينها من الداخل نقوش غاية في الإبداع، يحيط بتلك القبة الضخمة 6 قباب أخرى متوسطة الحجم، كما توجد على الأركان الأربعة للمسجد 4 قباب أخرى أصغر حجما، تم وضع تلك القباب العشر المحيطة بالقبة الكبرى بدقة متناهية وأبعاد محسوبة، مما ساعد على توزيع نظام صوتي فائق وفريد داخل المسجد، هذا بالإضافة لانتشار أكثر من مائة نافذة ملونة على جوانب وجدران المسجد، تؤمن له إضاءة جيدة وانعكاسات مبهرة للألوان داخله. يتميز المسجد أيضا بمحرابه ومنبره المصنوعين من المرمر الخالص، كما تزين المحراب نقوش محفورة بأوراق الذهب. يقع صحن المسجد أو مساحته الداخلية خلف بيت الصلاة، وهو مستطيل الشكل، تغطي أرضيته ألواح كبيرة من المرمر، يوجد على جانبيه بوابتان، كما يوجد في المنتصف بوابة لها باب أثري ضخم ذو تاج منقوش عليه بالذهب البارز شهادة لا إله إلا الله محمد رسول الله، كما يوجد في ساحة الصحن نافورة للوضوء، مزينة بقضبان برونزية. على أطراف المسجد ترتفع إلى عنان السماء أربع مآذن مغطاة بأحجار كريمة وجواهر ذات شعاع قوي تحت أشعة الشمس، لذلك يطلق عليها المآذن المجوهرة. وينتصب عند المدخل الخلفي للمسجد ضريح صغير للمهندس العبقري سنان، وصفه أحد المؤرخين بأنه بمثابة توقيع صغير وضع في زاوية تحفة فنية رائعة.

ليست هناك تعليقات: