الخميس، 24 مارس 2011

من قصص بهلول - أبو حنيفة وبهلول

كانت دار أبي حنيفة في إحدى محال بغداد القديمة،

وكان جماعة من طلاب العلوم الإسلامية يقصدون هذه الدار يومياً

للحضور في درس أبي حنيفة الذي كان يعقده فيها،

وفي أحد الأيام دخل بهلول دار أبي حنيفة وجلس في غرفة الدرس.

فسح الحاضرون المكان لبهلول عندما راوه يدخل لكنه جلس عند الباب ،

ثم مدد إحدى رجليه وثنى الأخرى وأخد يستمع إلى أبي حنيفة.

كان لأبي حنيفة طلاباً كثيرين جداً بحيث كانوا يعدون أستاذهم من اعلم علماء بغداد .

تكلم أبو حنيفة وقال:"اعلموا أن جماعة من المسلمين يعتقدون ان ابليس يعذب يوم القيامة ، وإني اخالف ذلك".

قال أحد التلاميذ وقد أسند ظهره إلى جدار الدار:"أيها الشيخ،ماهو دليلك على ماتقول؟".

قال أبو حنيفة_بعدما سعل قليلاً_:"نعم،أن إبليس مخلوق من نار ، وجهنم هي النار،فكيف تحرق النار نفسها؟".

أخذ الجالسون ينظر أحدهم بوجه الآخر لكن لم يجرأ أحد على التفوه بشيء .

أخد أبو حنيفة _كالفارس المنتصر في الميدان _ ينظر إلى الحاضرين نظرة عجب وغرور،

لكنه لم يغفل عن بهلول الذي كان واضعاً يديه تحت ابطيه وينظر إلى أبي حنيفة نظرة هادئةً.

استانف أبو حنيفة الكلام _بعد فاصل قليل_ فقال:"الأمر الآخر الذي لا أرتضية ،

هو ماتعتقده هذه الطائفة المسلمة حيث يعنقدون بان الله تعالى لاتمكن رؤيته،إذاً كيف يكون الشيء

موجوداً ولايمكن رؤيته ؟".

قطع أبو حنيفة كلامه هنيئةً ليرى مدى تأثير ماذكره على الحاضرين ، لكن هذه المرة كان السكوت مخيماً

على المجلس أكثر من السابق .

قال أبو حنيفة بصوت أعلى :"أيها الناس ،إنهم يقولون بأن الله تعالى خالق كل شيء ،

ومع ذلك يعتقدون بأن الإنسان فاعل مختار في فعله،

وهذا يعني الجمع بين الجبر والإختيار وهما مستحيلان عقلاً.........".

قال احد الحاضرين :" ماهر رأيك في ذلك ياشيخ؟".

مر أبو حنيفة يده على ناصيته ثم قال:"إعلموا أن كل شيء _في رأيي _هو من الله تعالى_،

وان الإنسان غير مختارٍفي أفعاله ".

عرف أبو حنيفة ان كلامه قد أثر في قلوب الحاضرين ، وأنه تمكن من إقناعهم بأفكاره،

وكان يجب أن يفصح عن عقائده أكثر لولا حيلولة له في مجلس الدرس،

فإنه فوجأ بحجرٍ اصاب جبينه فادماه ،

وبذلك زالت أفكاره واضطرب المجلس ،التفت الحاضرين إلى بهلول وهم يتسألون :"لماذا فعل بهلول ذلك؟!".

دار جماعة من المقربين لأبي حنيفة ببهلول والغضب يتطاير من أعينهم

من دون أن يجرأ أحداً على إهانته لقرابته للخليفة ،

فإنه لو كان أحد غير بهلول فعل بأبي حنيفة ذلك لم يكن يخرج من المجلس سالما

ً بل كان ينهك ضرباً من قبل أتباع أبي حنيفة.

نظر أبو حنيفة إلى بهلول وهو_ابو حنيفة _ واضع يده على الجرح _والغضب قد استولى عليه ،

فقال:"لأشكونك ألى الخليفة".

فأجاب بهلول بهدوء :"وأنا أذهب معك أيضاً ".

قال أبوم حنيفة _وهو متعجب من كلام بهلول_وكأنه لم يسمع أو يفع شيئاً_

لمن حوله :"غذن اشهدوا لي عند الخليفة بذلك".

خرج بهلول من دار أبي حنيفة وكانه لم يسمع او يفعل شيئاً،

ودخل أبي حنيفة بعد ساعة مجلس الخليفة وهو معتصب الرأس ،

فلما رآه الخليفة تعجب من ذلك لعلمه بمكانة أبي حنيفة في بغداد وماله من أتباع .

أخذ أبو حنيفة يشرح للخليفة ماحدث،امتعض الخليفة من فعل وهب ،فأصدر أمراًباحضاره على الفور.

أسرع الشرطة في البحث عن بهلول لكنهم ثمة بحثٍ يسيرٍ عثروا عليه وهو في طريقه إلى القصر.

ولما حضر بهلول_وآثار السكينة عليه _ المجلس صاح به الخليفة :"لم شدخت برأس هذا العالم الجليل؟".

سوى بهلول رداءه على كتفيه ثم قال:"لم افعل ذلك".

قال أبو حنيفة _وهو يتلكأ في الكلام،وقد وضع يده على رأسه _:"كيف كيف تدعي ذلك؟!

أيها الظالم إن لي شهوداً"

قال بهلول :"قل لي لو سمحت ماهو الظلم الذي صدر مني؟".

قال أبو حنيفة :"شدخت رأسي بالحجر ،وهذا الألم في رأسي يكد ينفك عني "

ثم التفت إلى جملة من تلامذته وقال :"أتشهدون بذلك؟".

قالوا:"نعم".

قال بهلول :"اتدعي الألم في رأسك أين هو أرني؟!".

هزأ أبو حنيفة وقال:"وهل ير الألم لكي أريك؟!".

قال بهلول :"إذن ليس للألم وجود ،وأنت كاذب في دعواك ،

لأنك تعتقد أن الشيء ما لم تمكن رؤيته فهو غير موجود ".

وضع أبو حنيفة يده على رأسه متحيراًمن جواب بهلول

وقد التفت إلى تلامذة أبي حنيفة :"إن الحجر لايمكن أن يؤدي استاذكم ".

أخذ تلامذة أبي حنيفة ينظرون مبهوتين ماذا سيفعل أبو حنيفة وما سيقول ؟!

لكن بهلول لم يمهل أبا حنيفة فرصة للجواب ،

فقال:"إن الإنسان من تراب والحجر من تراب ،فكيف يمكن أن يؤدي التراب التراب؟!".

أدرك أبو حنيفة أن بهلول يريد بذلك حباً العقيدة شعواء لا هوادة فيها ،

فأخذت ترتجف جميع أعضاءه كمن يرتجف من شدة البرد.

سوى بهلول رداءه مرة أخرى وقال لهارون:"يعتقد أبو حنيفة بأن الإنسان غير مختار في افعاله،

فل ذنب لي لأني في نظره غير مختار فيما فعلت".

بهت هارون من جواب بهلول ولم ينطق بشيء .

بقي أبو حنيفة وهو يلوم نفسه خجلاً، وقد نكس رأسه إلى الأرض،

ولسان حاله :"أن كل مانزل بي هو ماجنيته على نفسي".

ليست هناك تعليقات: